Beyond Bouncing the Ball: Toddlers and Teachers Investigate Physics ما وراء طبطبة الكرة: المعلمات والأطفال الفطم يدرسون الفيزياء
You are here
في أيامنا هذه لم يعد المعلمون والمعلمات يرون أنفسهم مجرد مروجين للمعلومات التي سوف تملأ عقول الأطفال بالمعرفة. فمنهج التفكير المعتمد في القرن الواحد والعشرين يعزز الفكرة التي تقول بأن أهل الاختصاص في مجال الطفولة المبكرة ليسوا معلمين وحسب، بل هم متعلمون يعكفون على استكشاف إمكانيات الأطفال التي لا حصر لها كذلك (Curtis & Carter 2008). وينظر المعلمون إلى أنفسهم بوصفهم علماء منهمكين في العمل. أي أنهم معلمون باحثون يعملون على حل المشكلات وتحسين الممارسات بينما يدرسون العالم من حولهم جنبًا إلى جنب مع الأطفال، ويكشفون النقاب عن أفكار جديدة، ويضعون النظريات، ويستكشفون الأشياء بفضول. وتعد ميول هؤلاء المعلمين نحو الانخراط في الاستقصاء العلمي الناشئ عن اهتماماتهم واهتمامات الأطفال " طريقة من طرق التفكير وتناول المعرفة ... وطريقة من طرق فهم الذات بالنسبة للعالم من حولهم" (Edwards & Gandini 2015).
ومع ذلك يعاني هؤلاء المعلمين أحيانًا من القلق، أو حتى الخوف، من القيام بتدريس أو تعلم المفاهيم العلمية برفقة الأطفال الصغار. ويعود السبب في ذلك بصورة جزئية إلى المواقف التي تبنوها عندما كانوا هم أنفسهم أطفالًا . وترتبط هذه التصورات المتأصلة عن العلم ومفاهيمه ارتباطًا وثيقًا بكفية تدريس هذه المفاهيم (Rutherford & Ahlgren 1991). ولهذا فبعض الكبار قد يشعرون بعد الارتياح تجاه تدريس وتعلم المفاهيم العلمية.
وسواء امتلك المعلمون خبرة واسعة أو قليلة في العلوم أو كانت معدومة بالمطلق، فبإمكانهم تجنب عدم الارتياح المحتمل الذي يربطون بينه وبين الدخول في معترك العلوم إذا ما نظروا إلى ممارساتهم نظرة من يذهب في مهمة لطلب العلم. وهي مهمة لا تعني البحث عن جواب صحيح وحسب، بل تعني استكشاف العديد من الأجوبة المحتملة.
ولم يكن هذا النهج في استكشاف الاحتمالات جديدًا بأي حال من الأحوال. وهو لبّ الممارسة التي تتخذ من منهج ريجيو إميليا والنهج التربوي القائم على النظرية البنائية مصدر إلهام لها. وهذه النهج والمذاهب هي التي أدت إلى نشوء مصطلح "المعلم الباحث". تسلط هذه المقالة الضوء على رحلة معلمتينِ باحثتينِ انضمتا إلى كاتبي هذه المقالة) وهما متخصصان في التطوير المهني في مجال الطفولة المبكرة، ويقدمان الدعم في مجال التعلم المهني لمربي ومعلمي الطفولة المبكرة أثناء عملهم مع الأطفال (لاستكشاف إحدى عمليات الاستقصاء العلمي من أجل تقوية معارفهم حول الأطفال والعلوم. ويقوم هؤلاء الأشخاص المتعاونون بالتأمل في خبراتهم وتجاربهم بوصفها طريقة من طرق المشاركة الفاعلة في نهج يعد أحد نُهُج تدريس وتعلم العلوم في القرن الواحد والعشرين، مسترشدين في ذلك بأدوات الملاحظة الدقيقة والتوثيق الخاصة بالأطفال والحركة.
الحركة والمفاهيم العلمية الخاصة بالطفولة المبكرة
تعرف مختبرات نيفس العاملة في جامعة كولومبيا علم الفيزياء بأنه "علم يختص بدراسة المادة والطاقة ... والعلاقة بينهما، وكيف يؤثر كل منهما في الآخر بمرور الوقت وضمن الفراغ" (2016). وعلماء الفيزياء الذين يدرسون مواضيع مثل مواضيع المادة والحركة والقوى والطاقة يدققون النظر في مسائل رئيسية تتعلق بالكون. فمثلًا لماذا تتغير الأشياء، وما هي القوانين التي تحكم حركة الأجسام؟
ويشير كل من كامي وديفريس (1993) إلى أن وجود نهج جديد يسترشد بالممارسة المهنية في عملية تدريس الفيزياء في مرحلة ما قبل المدرسة له ما يبرره ويسوغه. يدعمهم في ذلك ما أكدّه بيجيه من أن معرفة الأطفال للفيزياء مرتبطة بأفعالهم وتصرفاتهم تجاه الأشياء، وملاحظتهم لها ولاستجابتها لأفعالهم. وممارسة الأنشطة الرئيسية الثلاثة التي تعد مفتاحا لعلم الفيزياء تعزز من فهم الأطفال للمفاهيم الفيزيائية: كمفهوم حركة الأجسام والأشياء، ومفهوم التغيرات التي تجري عليها مثل خلط الماء والصابون والنشاء لعمل محلول فقاعي له خصائص مختلفة عن خصائص مكوناته الرئيسية، والأنشطة التي تدور بين هذين المفهومين الفيزيائيين مثل استخدام أدوات كطاولات الضوء التي تحتوي على مكعبات مغناطيسية شفافة أو تحتوي على رمل ومناخل للحصول على فهم أفضل لخصائص الأشياء.
لقد ركز الفريق في دراسته على فهم أكبر للأطفال بوصفهم متعلمين، والطرق التي يفهمون بها علم الفيزياء وعلاقته بحركة
الأجسام. وببساطة فإن حركة الأجسام والأشياء تستلزم أفعالًا تجعل الأجسام تتحرك، كالقيام بدفعها أو سحبها أو دحرجتها أو النفخ عليها أو رميها أو أرجحتها أو إسقاطها أو ضربها أو تدويرها (Kamii & DeVries 1993). فالقيام بعمل ما هو أمر ضروري لفهم الأطفال. وعندما يقوم الأطفال باستكشاف الطرق التي يستطيعون من خلالها تحريك أجسامهم وجعل الأشياء تتحرك، فهم بذلك يعززون من معارفهم حول طائفة متنوعة من المفاهيم العلمية، ويفهمون كيف ولماذا تتحرك الأجسام. ومن خلال مثل هذا النوع من الاستكشاف ينشئ الأطفال هياكل وبنىً معرفية ومنطقية ورياضية. بمعنى أنهم يضعون نظريات حول العلاقات بين الأشياء مثل التفكير بأن كل الأجسام الدائرية الشكل تطبطب وترتد. كما يقومون بتصنيف أوجه التشابه والاختلاف التي توجد في خصائص الأشياء (Kamii & DeVries 1993).
وعلى المعلمين أخذ أربعة معايير بعين الاعتبار عندما يتم اختيار المواد والخبرات والتجارب التي تدعم إنشاء المعرفة حول الحركة الفيزيائية للأجسام لدى الأطفال. وهذه المعايير هي أن يكون الطفل قادرًا على القيام بحركة معينة بمفرده، وأن يكون قادرًا على تغيير أفعاله، وأن يكون رد الفعل قابلًا للملاحظة، وأن يكون فوريًا (Kamii & DeVries 1993).
تدريس العلوم وتعلمها
لقد ساعدت هذه النظريات حول الأنشطة الخاصة بمعرفة العلوم الفيزيائية في تأطير دراستنا للأطفال والحركة. ولكي نبدأ تجربتنا في التعليم والتعلم بصورة تعود علينا بقدر أكبر من الفائدة قمنا عمدًا بوضع مجموعة من سبع خطوات لترشدنا في هذه الرحلة هي كالآتي:(1) طرح الأسئلة، (2) التعاون مع الزميلات، (3) إنشاء نظام خاص بالتعليم والتعلم،(4) توفير المواد للأطفال (5) توثيق الخبرات والتجارب (6) التأمل بصورة فردية ومع الأخريات، (7) المحافظة على دوام العملية.
1. طرح الأسئلة
تبدأ الدراسة العلمية بطرح سؤال. فنحن تساءلنا: ما الذي يعرفه الأطفال عن علوم الفيزياء والحركة؟ وما الذي سنجده عن الأطفال والحركة؟ وكيف سنستخدم هذه الملاحظات والمشاهدات لإثراء تصرفاتنا وتفاعلاتنا؟
وبالنظر إلى ما نعرفه حول تطور الأطفال الفطم فيما يتعلق بموضوع الحركة، فقد لاحظنا بأن تحريك الأشياء وجعلها تتحرك كان شيئًا مثيرًا للاهتمام وله صلة بالأطفال. فما أن يبدأ الأطفال الفطم بإتقان المشي ¢تنمو مهاراتهم الحركية على قدم وساق (Copple & Bredekamp 2009, 66). وعما قريب سيبدؤون باستعراض الحركة بصور شتى مثل: القفز ورمي الكرة وركلها والركوب على لعبة وتحريكها للإمام وسحب الألعاب من على الرف وحمل ما يستطيعون حمله من الأشياء من مكان لآخر(Copple & Bredekamp 2009). وبينما هم يتحركون تجدهم ينشئون المعرفة حول المفاهيم الفيزيائية. فعلى سبيل المثال، قد يفهم الرضع المتحركون كيف يحركون أجسامهم بطرق جديدة كالزحف والتقلب والتوازن. وربما يستمر الفطم بهدم بناء من المكعبات لاختبار النتيجة وما إذا كانت ستبقى هي نفسها أو تتغير. بالنسبة للأطفال الفيزياء هي الحركة بمختلف جوانبها وصورها. ولذلك فإن فكرة دراسة الأطفال والحركة أصبحت محور تركيزنا. وهدفنا كان دراسة أفهام الأطفال الفطم للحركة وتوثيق ذلك، وفي نفس الوقت نقوم بتعزيز إدراكنا الذاتي للمفاهيم العلمية المرتبطة بالحركة. وبينما كنا نقوم بذلك رجونا أن نتعلم من الأطفال، وأن نتعلم عنهم وعن أنفسنا كمختصين في مجال الطفولة المبكرة.
2. التعاون مع الزميلات
المعلمات اللواتي تم التعاقد معهن للمشاركة في هذه الرحلة هما سارة وإيزابيلا. وهما تعملان مع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين السنة والسنتين في إحدى دور الحضانة المعتمدة من قبل الجمعية الوطنية الأمريكية لرعاية وتعليم الأطفال الصغار، والتابعة لإحدى عملائها من الشركات في مدينة فينكس بولاية أريزونا الأمريكية. كما تركز هذه الحضانة على دعم نمو الأطفال وتطورهم واحتياجاتهم من خلال فهم اهتماماتهم والاستجابة لها.
وقد سخرت كل من سارة وإيزابيلا، اللتان تعدان المعلمتان الباحثتان ضمن فريقنا، وقتهما وجهودهما للمضي معنا في هذه الرحلة. كما تلقتا الكثير من الدعم من مديرة مركز التعلم، والتي شاركت بقوة في عملية البحث، ووفرت لسارة وإيزابيلا وقتًا مأجورًا خلال الاجتماعات الشهرية للموظفين من أجل الاجتماع بالزملاء الباحثين، وهما الأستاذ إريك أخصائي التطوير المهني، ولديه خبرة في العلوم التي تدرس للطفولة المبكرة، والأستاذ ماركوس أخصائي التطوير المهني صاحب الخبرة في التقييم المستمر. والجمع بين هذه الرؤى والتصورات أثرى التجربة والخبرة الجماعية، وعزز عملية تعلم المعلمات الباحثات من ومع بعضهم البعض كمهنيات. وعلاوة على ذلك وخلال هذه الاجتماعات قام هؤلاء المتعاونون مع بعضهم البعض بدراسة ملاحظاتهم على الأطفال الفطم، ووضعوا خططًا لآفاق محتملة تخص المنهاج الدراسي والمواد المستخدمة في التجارب والخبرات لاستخدام ذلك مستقبلا مع الأطفال.
3. إنشاء نظام خاص بالتعليم والتعلم
لما بدأنا بتجربتنا التقينا سوية خارج الوقت المخصص للمعلمات مع الأطفال من أجل التأمل في معارفنا حول الفطم والحركة، ولكي نوضح السلوكيات التي ربطناها بطريقة التفكير كما يفعل العلماء. واستغرقنا وقتا لتحديد ما نعرفه مسبقًا حول المفاهيم الفيزيائية، وما الذي أردنا أن نعرفه، والسبيل الذي سنسلكه في دراسة الأطفال والتعلم منهم. وخلال ذلك الوقت استعنا بمراجع علمية من مؤسسة معايير العلوم للجيل القادم، ومجلة ناشيونال جيوغرافك، ومجلة الأطفال الصغار من أجل إثراء معلوماتنا وفهمنا لمفاهيم العلوم الفيزيائية.
بعد اجتماعنا الأولي قررنا بأن جدولة اجتماعات دورية للقيام بتوثيق الدراسة جماعيًا بمرور الوقت هو أمر هام وجزء لا يتجزأ من عملية الحفاظ على زخم هذه الدراسة. وبالإضافة إلى ذلك، قام كل من إريك وماركوس بزيارة المعلمات الباحثات في مقر عملهن ليمنحاهما فرصًا مستقلة وهما على رأس العمل لمشاركة أفكارهما وملاحظاتهما، والاطلاع على الانجازات والصعوبات التي يواجهنها في الفترات التي تكون بين الاجتماعات الدورية.
4. توفير المواد للأطفال
نظرًا لمعرفتنا بأن الكرات تتعرض بنفسها لأنواع مختلفة من الحركة، وبأن الممارسة مع الكرات يلبي المعايير الأربعة المطلوب توافرها عند اختيار أنشطة لدراسة حركة الأجسام، فقد قررنا توفير كرات للأطفال مصنوعة من مواد وخامات متنوعة كالمطاط والخشب، وبأحجام مختلفة كالكرات التي يسهل على الأطفال الفطم مسكها بيد واحدة، والكرات التي يتطلب استخدامها كافة الجسم من أجل إمساكها. وبالإضافة للكرات يمكن للمعلمات توفير مواد ممتعة قد تم تدويرها مثل الكرات المصنوعة من الفلين (الستايروفوم) والأجسام الدائرية الأخرى .
وخلال الأسابيع الأولى القليلة من الدراسة وفرنا الكرات في المساحة الخارجية من الحضانة وداخل فصل الأطفال الفطم. لاحظت المعلمتان الباحثتان بأن الأطفال كانوا مهتمين باختبار الحركة حالما قُدمت لهم الكرات.
مصادر لدراسة الحركة
5. توثيق الخبرات والتجارب
يُعد التوثيق أمرًا هامًا في العملية التعليمية. وهو عملية تقيّد الأدلة والشواهد على نشوء الفهم والإدراك لدى الأطفال بمرور الوقت، والتي بإمكان المعلمين الباحثين استخدامها لزيادة معرفتهم وفهمهم للأطفال ولأنفسهم، والتواصل مع الأسر والأهالي والاحتكاك بهم، ولكي يضعوا خططًا مقصودة لتجارب وخبرات مفيدة للأطفال (Wein, Guyevskey, & Berdoussis 2011). وهذا ما تشير إليه هيلاري سيتز في مقالتها عن قوة التوثيق حيث قالت فيها" عندما يُستخدم التوثيق بفاعلية وباستمرار وبشكل مدروس، فإنه يكون قادرًا على توجيه المناهج والتعاون في بيئة الفصل الدراسي" (2008).
لقد لجأت المعلمات الباحثات إلى استخدام مذكرة لتوثيق ملاحظاتهن لتفاعلات الأطفال الفطم مع الكرات، وتوثيق أسئلتهن وما يثير فضولهن كذلك. وهنا تقدم سارة توضيحًا للعملية التي اتبعتها فتقول: " خلال سير الأنشطة، أحاول إبقاء دفتر ملاحظتي جاهزًا. ولم أكن أكتب فقرات كبيرة، بل مجرد نقاط فقط. ملاحظة أو ملاحظات فقط للتذكير. وقد كان ذلك مفيدًا ومشفوعًا ببضعة صور مأخوذة من النشاط من أجل عملية التوثيق وتتبع تطور الطفل." وخلال عملية التوثيق وتدوين المعلومات قامت المعلمتان الباحثتان بتصنيف المادة التوثيقية في عمودين: الأول يحتوي على الملاحظات والمشاهدات الموضوعية لحركة الأطفال، والثاني يحتوي على تفسيراتهما وأسئلتهما. وقد سمحت عملية التوثيق للمعلمتين بتلخيص أفكارهما ونظرياتهما، والتأمل فيها بعد ذلك، وتوليد أفهام جديدة - كما كان الحال مع إيزابيلا التي كانت تقترح بأن على المعلمات " المراقبة أولًا "- واكتشاف ما يثير فضول الأطفال في الوقت الراهن، والبناء على ذلك والانطلاق منه. راقبي ولاحظي بنفس القدر الذي تعلمين فيه".
6. التأمل بصورة فردية ومع الأخريات
بعد أن قمن بتوثيق ملاحظاتهن ومشاهداتهن بدقة استخدمت كل من سارة وإيزابيلا مذكراتهما العلميتان في عملية من التأمل الذاتي. كما توصلتا إلى استنتاجات حول اهتمامات الأطفال بالمواد المقدمة لهم، وطرحتا الأسئلة المتعلقة بأخذ قضية البحث العلمي بالحسبان مستقبلًا، ولفتتا الانتباه إلى الأمور التي أثارت فضولهن. (راجعي فقرة " توثيق نشاط الأطفال الفطم والكرات في الهواء الطلق"، ص 21) لقد ساعد هذا النوع من التأمل الداخلي المعلمتين على تهذيب وتنقيح مهاراتهن في الملاحظة والمشاهدة، وتعزيز هوياتهن كمعلمات باحثات. فعندما يتصرف المعلمون كالعلماء على هذا النحو، فإنهم يفكرون كما يفكر العلماء. ويستطيع المعلمون دعم الأطفال في عملية تطويرهم لميول علمية فطرية - أي سلوكيات مثل سلوكيات الملاحظة والاستكشاف والاكتشاف- ومساعدتهم على النظر إلى أنفسهم على أنهم متعلمون قادرون ومؤهلون عندما يقومون بنمذجة العملية التعليمية وممارسة السلوكيات المرتبطة بالبحث العلمي (NSTA 2014).
خلال عملية التأمل الجماعي وإعادة النظر قامت كل من المعلمتان الباحثتان بجمع كل ما نتج عن عمليات الملاحظة والمشاهدة والصور، والتقتا بشريكيهما المسؤولين عن التطور المهني بهدف دراسة المواد التوثيقية سوية. وفي ذلك اللقاء قمن بمناقشة ما تعلمنه حول حركات الأطفال، وقمن كذلك بطرح الأسئلة لزيادة فهمهن عن الأطفال والحركة، ووضعن الخطط المتعلقة بالمنهاج الدراسي المستقبلي والخبرات المتصلة بالمواد الموفرة للأطفال:
سارة: هل يا تُرى سيكون باقي الأطفال منهمكين باللعب بالكرات بصورة أكبر مما لو تم وضعهم في بيئة مختلفة. هل تم تقديم الكرات لهم في وقت متأخر جدًا؟ هل يلزم توزيع الكرات على الأطفال فيما بينهم بالتناوب لإثارة اهتمامهم بقدر أكبر؟ ويا ترى ما الذي كان سيحدث فيما لو وضعت الكرات في الخارج في منطقة مفتوحة، ولم ألفت انتباه الأطفال إليها. هل سينجذبون إليها من تلقاء أنفسهم؟ وهل سيمنحهم ذلك فرصة لاكتشاف الكرات على مهلهم والتوصل إلى استنتاجاتهم الخاصة؟
لقد غذّت هذه التأملات والمناقشات حول الملاحظات والمشاهدات إضافة إلى بيانات أخرى تم جمعها فضول الفريق، وألهمت كل من سارة وإيزابيلا للبحث أكثر. وقد قامتا بتقديم الكرات للأطفال في سلال مختلفة العمق، ووضعتا الكرات في أماكن مخفية موزعة على أرجاء الغرفة، وقدمتا للأطفال كرات تدريب أملًا في الحصول على أجوبة لتساؤلاتهما. يعتقد كل من كيرتز وكارتر(2008) بأنه "عندما يقوم المعلمون بالعمل مع أشخاص لديهم عقول تتسم بالفضول والتساؤل، وبوصفهم باحثين جنبًا إلى جنب مع الأطفال فإنه ذلك يعني دائمًا أن نوعًا من المعارف الجديدة يجري بناؤه". وتلك ظاهرة بينتها تجربة كل من سارة وإيزابيلا (9).
عملية توثيق نشاط الأطفال الفطم مع الكرات في الهواء الطلق مقتبسة من مذكرة إيزابيلا العلمية
عملية الملاحظة والمشاهدة:
- بدأ جيمس بحمل عدة كرات والتجول بها. دحرجها على زلاقة الأطفال فضاعت إحداها. تساءل قائلًا : " أين كرتي؟" وبعد البحث عنها وجدها، وأعلن ذلك بقوله: " لقد وجدت كرتي".
استنتاجات وأسئلة وأمور تثير الفضول:
- يبدو وكأن جيمس قد كان أكثر عرضة للكرات من غيره من الأطفال. فقد كان من بين كل الأطفال أكثرهم اهتمامًا بالكرات. حيث لعب بهن طوال الوقت أثناء وجودنا في الخارج.
- لماذا اختار جيمس دحرجة الكرة على زلاقة الأطفال؟ ما الذي نستنجه من ذلك حول فهمه لمدى ميلان الزلاقة؟
- هل كان المظهر هو ما أسر جيمس أم التركيبة والخامة؟ أم أنه دأب على استخدام نفس الكرة لأنه يعمل على اكتشاف إن كان قادرًا على جعل نفس الكرة تتحرك بطرق مختلفة؟
- ما هي الأسئلة التي يمكن أن نوجهها لجيمس لدعم عملية البحث والتحري العلمي التي يقوم بها على الكرات، وتعزيز مفردات مهمة له؟
7. المحافظة على دوام العملية
إن رحلة المعلم الباحث هي رحلة مستمرة وتمر بمحطات التساؤل والتعاون والاستكشاف والتوثيق والتأمل وإعادة اختبارالنظريات.
واستدامة هذا النوع من المقاربات للعملية التعليمية يتم عندما يستمر المعلمون في النظر إلى أنفسهم وإلى الأطفال على أنهم باحثون علميون، كما قالت سارة في ملاحظاتها: " الأطفال هم أشخاص فضوليون بطبيعتهم ويحبون الاكتشاف، شأنهم في ذلك كشأن الباحث إلى حد كبير. وأنا أنظر إلى نفسي وإلى الأطفال كما لو كنا علماء باحثين. وعندما أخوض تجربة ما برفقة الأطفال ونحن نتبنى في ذلك عقلية الباحث العلمي، فإن المجموعة، وأنا معهم، تنظر إلى الأشياء بطريقة مختلفة".
والنظر من منظور المعلم الباحث يمكن له أن يساعد على رؤية أدوار كل من المعلم والمتعلم بوصفها أدورًا معقدة وحيوية ومتطورة بمرور الوقت.
التحديات والإخفاقات
أحد أجزاء العملية التعليمية في القرن الحادي والعشرين هو الاعتراف بحقيقة أن التحديات تعد جزءًا من خبرات وتجارب التعلم، وبأن الفشل قد يوفر فرصًا غنية من أجل التأمل، وإن كان مثبطًا للعزيمة أحيانًا. ولقد تناولت سارة هذا الجانب أثناء عملية البحث والتقصي التي قامت بها: " لقد كان أكبر تحدٍ بالنسبة لي هو اكتشاف ومعرفة الوقت الذي أتفاعل فيه مع الأطفال وأساعدهم على حل المشكلات، ومتى أترك الأطفال يكتشفون ذلك من تلقاء أنفسهم. وقد كان الأمر نوعًا من التوازن المعقد بين معرفة تطور الأطفال ومدى الاهتمام لديهم. وكنت أريد للأنشطة أن تحوز على اهتمام الأطفال وتأسرهم وتساعدهم على الاكتشاف". وتوصي سارة بأن تأخذ المعلمات اللواتي يلاحظن الأطفال عن كثب فترة قصيرة من الزمن للتأمل الذاتي بينما يشاركن في أنشطة مع الأطفال: "لقد استمتعت بالتوصل إلى اكتشافات جديدة، وإنشاء الروابط والعلاقات مع الأطفال".
وكذلك كان للتحديات والانجازات الناجحة نصيب في تجربة إيزابيلا: " في البداية بدا الأطفال مهتمين جدًا بجمع الكرات وتحريكها وهم يمسكون بها، وكان الأمر مسليًا وأن أشاهد مثل هذا الاهتمام يتسلل إليهم لمعرفة كيف يجعلون الكرات تتحرك مع أجسامهم. "ولكن التحدي الذي واجهته هو المحافظة على إيجاد طرق جديدة لإبقاء الأطفال مهتمين بالمواد المقدمة لهم. فقد كان إيجاد توازن بين استخدام الكرات والقيام بأنشطة لها علاقة بهذه الكرات، وليس فقط استخدامها، أمرًا صعبًا. وعلى مقربة من نهاية النشاط بدا الأطفال غير مهتمين بالمواد المقدمة لهم".
لقد وفرت هذه التحديات للمعلمتين الباحثتين فرصة للنظر في احتمالات أخرى، والتخطيط لشكل جديد من أشكال التحفيز لدراسة الحركة مع الأطفال. وبفضل الأسئلة التي خرجن بها خلال وقت التأمل قررتا القيام بزيارة ميدانية لأحد مراكز ألعاب الجمباز، وتقديم كرات تمرين عملاقة من أجل مراقبة استكشاف الأطفال لمفهوم الحركة. والصورة التي في الأعلى تبين عملية تفاعل كالي مع مواد تم اختيارها بصورة مقصودة من قبل المعلمتين الباحثتين لاختبار نظرياتهما حول المحافظة على اهتمامات الأطفال.
معرفة طرق التعلم
إن عملية دراسة الأطفال ومفهوم الحركة لم يساعد المعلمات على اكتشاف نقاط القوة والقدرات الكثيرة التي يتمتع بها الأطفال الفطم وحسب، بل ساعد كذلك على اكتشاف أنفسهن كمتعلمات مدى الحياة. تشرح لنا سارة وإيزابيلا طريقة تفكيرهن حول الأطفال وكيف أنها تطورت على مدار دراستهن للأطفال والحركة:
تقول إيزابيلا: خلال هذه التجربة تعلمت بأن الأطفال يمارسون مهارات الاستقصاء العلمي لديهم كل يوم. فمثلًا يجدون الكرة ثم يرمونها. وعندما يتم إطلاق الكرة يبدأ الأطفال بدراستها وهي تتحرك. ويأخذون بمراقبتها وهي تطبطب وتتدحرج، وأدركوا بأنهم إن قاموا برمي الكرة بطريقة معينة فسيجعلونها تطبطب وتتدحرج. وبعد أن اكتشفوا كيف يقومون بذلك بفترة وجيزة تمكنوا من فعل ذلك في كل مرة. يتعلم الأطفال بسرعة، وهم كالعلماء الصغار يحملون فرضيات جديدة، ويكتشفون كيف يحلون المشكلات في كل يوم. وعندما تراقب الأطفال عن كثب فبوسعك رؤية هذه العمليات وهي تحدث.
تقول سارة: لقد اكتشفت بأنني في اللحظة التي أتراجع فيها للوراء وأراقب عملية تفكير الأطفال أتعلم شيئًا جديدًا عنهم. وهذا أكثر ما أشعل الحماس لدي، وأدى بي إلى اكتشافات جديدة.
الربط بين خبرات الحركة ولمعايير
إن التعرض لخبرات مبكرة مع القوى المحركة -كالدفع والسحب- يمكن له أن يدعم الأطفال بينما يقومون بإنشاء أشكال من الفهم التصوري للأفكار ذات الأساس العلمي. وتعُتبر معايير علوم الجيل القادم التي تم نشرها سنة 2013 مجموعة مرنة من النتائج المناسبة لكل صف دراسي تساعد المعلمين على دعم الطلاب " لتطوير فهم عميق لعمليات التواصل والتعاون والاستقصاء العلمي وحل المشكلات ....، سيخدمهم طوال حياتهم العلمية والمهنية" (NGSS 2013).
وعلى الرغم من أن هذه المعايير ترتبط بمرحلة التعليم الممتدة من الروضة وحتى سن الثانية عشرة، إلا إن استكشاف حركة الأجسام، كتلك التي بيناها في هذه المقالة، يعد طريقة ملائمة نمائيًا لمساعدة الأطفال الصغار على بناء أشكال من الفهم للمبادئ الفيزيائية الرئيسية، وإنشاء أساس لخبراتهم التعليمية الرسمية التي سيخوضونها فيما بعد مع العلوم وتصورهم وفهمهم لها. وبالنسبة للأطفال الفطم فإن فهم علم الفيزياء قد يأخذ صورة قول الطفل " أستطيع جعل الأشياء تحدث باستخدام جسمي"، "وعندما أقوم بعمل ما فهناك رد فعل ما"، "وعندما أدفع أو أركل أو أدحرج كرة فإنها تتحرك في الاتجاه المعاكس لي"، أو "عندما تلمس كرة حاجزًا ما كالجدار مثلُا، فإنها تتوقف عن الحركة أو تغير مسارها".
تحسين جودة الممارسة المهنية
يمكن للمشاركة كمعلمة باحثة مساعدة المعلمات على تحسين جودة ممارستهن المهنية. ولإنشاء مجموعة شاملة من الخبرات بالمنهج الدراسي يقترح كنشيلوي (2012) أن تأخذ المعلمات احتياجات الطلاب والمجتمع الذي يعيشون فيه والمعرفة التخصصية، بما في ذلك العلوم الملائمة نمائيًا ومتجاوبة ثقافيًا ولغويًا، واللغة ومهارات القراءة والكتابة، والرياضيات بعين الاعتبار. ويؤكد على أن القيام بالبحث العلمي يمكن له أن يساعد المعلمات على تطوير وتطبيق منهاج دراسي يرتبط باهتمامات الأطفال واحتياجاتهم الفريدة من نوعها، وبالثقافة السائدة في فصولهم الدراسية بشكل عام.
إن التطبيق المستمر لاستراتيجيات جديدة تقوم على عمليات الملاحظة والمشاهدة الدقيقة، وعلى التعاون والتأمل والمناقشة واختبار تلك الاستراتيجيات بصورة دائمة يمكن أن يساعد المعلمات في عملية تقييم قدرات وكفايات الأطفال. كما تستطيع المعلمات الباحثات استخدام معارفهن الموسعة لاعتماد خبرات لها علاقة بالمنهاج الدراسي لتلبية احتياجات الأطفال واهتماماتهم على أكمل وجه، وعلى نحو يشبه إلى حد كبير ما قامت به المعلمتان في هذه القصة خلال رحلتهن. وهذا الأمر مدعوم علميًا من قبل كل من كوبل وبريدكامب اللذين أشارا إلى أن هذه العمليات من عمليات اعتماد الخبرات ذات الصلة بالمنهاج الدراسي لازمة للمعلمات من أجل تحقيق ما يناسب كل طفل على أكمل وجه، والعمل على تحسين جودة التفاعلات والخبرات بصورة دائمة (2009).
الخلاصة
يستطيع الأطفال من خلال خبراتهم مع الحركة تقوية قدرتهم على التفكير النقدي بصورة أكبر، وحل مشكلات حقيقية، ونقل مهاراتهم بنجاح ضمن نطاقات مختلفة من خلال تجارب مفيدة وذات صلة (Byrnes 2008). وأظهرت الدراسات مؤخرًا بأن هذه الأنواع من المهارات المعرفية كانت مرتبطة بعمليات التعلم، بما في ذلك عمليات الضبط الذاتي والتفكير المنطقي والتحفيز. وهذه كلها مهارات يتم عزوها إلى النجاح في المدرسة وفي الحياة كذلك (Tomasello, Striano, & Rochat 1999; Camilli et al. 2010).
عندما تقوم المعلمات الباحثات بمراقبة وملاحظة حركة الأطفال، وتوثيق هذه الملاحظات والمشاهدات، وتوليد الأسئلة والأفكار، والتأمل بصورة جماعية في النتائج التي وصلن إليها، فإنهن بذلك يزدن من مقدار وعيهن بالأطفال وكفاياتهم، وتعليم أنفسهن كيف يكنّ متعلمات. وهذه الرحلة ما هي إلا البداية فقط، ونحن نتطلع للتعلم أكثر عن الأطفال، وعن مفهوم الحركة، وعن أنفسنا بوصفنا معلمات باحثات في القرن الواحد والعشرين، وكمعلمات ومتعلمات للعلوم.
ملاحظة للمؤلف: يشكر كاتبا هذه المقالة مركز “برايت هورايزن” للطفولة المبكرة وكلًا من المعلمتين الباحثتين اللتان تعاونتا معهما.
References
Byrnes, J.P. 2008. Cognitive Development and Learning in Instructional Contexts. 3rd ed. Boston, MA: Pearson.
Camilli, G., S. Vargas, S. Ryan, & W.S. Barnett. 2010. “Meta- Analysis of the Effects of Early Education Interventions on Cognitive and Social Development.” Teachers College Record 112 (3): 579–620.
Copple, C., & S. Bredekamp, eds. 2009. Developmentally Appropriate Practice in Early Childhood Programs Serving Children From Birth Through Age 8. 3rd ed. Washington, DC: National Association for the Education of Young Children.
Curtis, D., & M. Carter. 2008. Learning Together With Young Children: A Curriculum Framework for Reflective Teachers. St. Paul, MN: Redleaf.
Edwards, C.P., & L. Gandini. 2015. “Teacher Research in Reggio Emilia: Essence of a Dynamic, Evolving Role.” Voices of Practitioners 10 (1): 89–103. www.naeyc.org/files/naeyc/Teacher%20Research%20in%20Reggio%20Emilia.pdf.
Kamii, C., & R. DeVries. 1993. Physical Knowledge in Preschool Education: Implications of Piaget’s Theory. New York: Teacher’s College Press.
Kincheloe, J.L. 2012. Teachers as Researchers: Qualitative Inquiry as a Path to Empowerment. 3rd ed. New York: Routledge.
Nevis Laboratories, Columbia University. 2016. “What Is Physics?” www.nevis.columbia.edu/what-is-physics.html.
NGSS (Next Generation Science Standards) Lead States. 2013. Next Generation Science Standards: For States, By States. Washington, DC: National Academies Press. www.nextgenscience.org.
NSTA (National Science Teachers Association). 2014. “NSTA Position Statement: Early Childhood Science Education.” www.nsta.org/about/positions/earlychildhood.aspx.
Rutherford, F.J., & A. Ahlgren. 1991. Science for All Americans. Oxford, UK: Oxford University Press.
Seitz, H. 2008. “The Power of Documentation in the Early Childhood Classroom.” Young Children 63 (2): 88–93. www.naeyc.org/files/tyc/file/Seitz.pdf.
Tomasello, M., T. Striano, & P. Rochat. 1999. “Do Young Children Use Objects as Symbols?” British Journal of Developmental Psychology 17 (4): 563–84.
Wein, C.A., V. Guyevskey, & N. Berdoussis. 2011. “Learning to Document in Reggio-Inspired Education.” Early Childhood Research & Practice 13 (2). http://ecrp.uiuc.edu/v13n2/wien.html.
Photographs courtesy of the author
Eric Bucher, EdD, works to advance equity in early childhood as executive director of the Arizona AEYC. Eric collaborates on initiatives to elevate the voices of early childhood professionals, provide reflective professional development, and increase access to quality early learning. [email protected]
Marcos Hernández, MEd, is a preschool teacher at Mary Lou Fulton Teachers College Preschool at Arizona State University in Tempe. Marcos has worked on Arizona’s quality improvement and rating system as a quality assessor of early childhood care centers and homes across the state. [email protected]